الموت ليس نهاية الآلام !!!!!
بقلم محمد سعيد أبوالنصر
سؤال يطرح نفسه أو ربما يطرحه بعض الناس على الآخرين ؟يا تُرى ما الذي يجعل الإنسان يتشبَّث بأذيال الحياة ويتمسك بها ،ولا يريد أن يخرج منها على الخشبة محمولًا على الأعناق ؟ وما الذي يدفع الإنسان أن لا يتمنى الموت؟
والإجابة ببساطة....
1-الخوف
"ولِماذا الخوفْ ؟
الخوفُ تَميمَةُ مُرتَحِلٍ
مِن أجلِ بَقاءْ
الخَوفُ نِداءْ
وغَريزةُ إنسانٍ يَحلُمْ
مِن أجلِ بَقاءْ
قد يَشكو الدنيا ، يَلعَنُها
يَلعَنُها صُبحًا ومَساءْ
لكنْ لَو قُلتَ لهُ : دَعْها
تَمْتَمَ ، وتَلَعثَمَ ، واستاءْ" صدق عبد العزيز .
2- الأمل
إذا فقد الإنسان الأمل فقد الحياة ،وإذا عاد له الأمل عادت له الحياة ،ولذا قيل في الحكم : الأمل رأس مال المفاليس ،فالمفاليس في الغالب هم أسعد الناس ،تراهم لا يملكون درهمًا ولا دينارًا لكنهم يملكون الأمل ويملكون الحب ،والأمل والحب هما الروح للجسد والحياة للبدن، وبدونهما تنتهي الحياة ، فإذا فقد الإنسان معنى الحياه فعليه أن يبحث عن أمل جديد يحققه ،وحب جديد يدركه ، وكما أن الأمل يُبحث عنه ويُنقب من أجله ، فكذا الحب ، حتى ولو طال الزمن ، فطريق البحث هو سر الحياة وجمال المعيشة ، فيقول اليائس إن طول الزمن يحتاج إلى صبر ،قلنا الصبر هو البناء والأساس الذي تُبنى عليه السعادة ،ولولا طول الطريق والنفس الطويل في البحث عن الأمل والحب لكان معنى ذلك انتهاء الحياة، بمجرد الوصول للهدف المطلوب، ولو بحث الإنسان عن السعادة فوجدت في لحظتها وعن الحب فجاءه بلا عناء ولا كبد ، لفقدت الحياة معناها، وأصبح الموت محتمًا ،ولكن طول الزمن في البحث هو الذي يجعلنا نعيش الحياة وننتظر النتائج ،والإله القدير ،كان قادرًا في خلقه للدنيا أن يخلقها في لحظة ولكنه خلقها في ستة أيام قال تعالى{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4)} [السجدة: 4] في هذه الآية يخبرنا الله بأنه { خَلَقَ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} ومعنى {خَلَقَ} أي أبدع وأوجد بعد العدم، وبعد أن لم تكن شيئاً ،فخلق السماوات في ارتفاعها وإِحكامها، والأرض في عجائبها وإِبداعها، وما بينهما من المخلوقات في مقدار ستة أيام ،ولو شاء لخلقها بلمح البصر ولكن أراد أن يعلّم عباده التأني في الأمور، والصبر على الشئون حتى إذا عاشوا في دنياهم فلا يستعجلون الشيء قبل أونه ،ولا يقطفون الثمرة قبل ميعادها، وإلا لكانت مُرة وقوله {ثُمَّ استوى عَلَى العرش} استواء يليق بجلاله من غير تشبيه ولا تمثيل {مَا لَكُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ} أي ليس لكم أيها الناسُ من غير الله ناصرٌ يمنعكم من عذابه، ولا شفيع يشفع لكم عنده إِلا بإِذنه، بل هو الذي يتولى مصالحكم ويدبر أموركم {أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ} ؟ أي أفلا تتدبرون هذا كله وتعتقدون أن أموركم بيدي ربكم يدبرها لكم لأنه المدبر ،وإذ كان قد دبر أمر السماء والأرض والكون كله {يُدَبِّرُ الأمر مِنَ السمآء إِلَى الأرض} في العالم العلوي والسفلي، أفيهمل شأن أحد من خلقه، بشرط أن يفوض هؤلاء الخلق أمرهم إلى ربهم {الذي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} أي أتقن وأحكم كل شيءٍ أوجده وخلقه ،ووضع كل شيء في موضعه، فخلق الإنسان وخلق له الأمل ليحيي به .
إن الخروج من الحياة والتفكير بالانتحار أو تمنى الموت ، لا يكون إلَّا لمن لا يتأمل معنى الحياة ،والإنسان بحكم إنسانيته وفكره لا بد أن تكون فلسفته هي الحياة وليس الموت ،والذين يؤمنون بالأديان يعرفون حقيقة الموت وأنه ليس عدم صرف ولا فناء محض ،لكنه حياة جديدة بقوانينها ،ولا مهرب من الحياة فعلى الإنسان أن يعمر دنياه لدنياه الأخرة ...وصدق عبدالعزيز حين قال "
لِماذا نأتي للدنيا ؟
جِئنا لِنُعمِّرَ هذا الكَونْ
وتحسَّ بأنَّ هنالِكَ مَوجودْ
أحياكَ لِكي تَبقَى واقِفْ
كَوُقوفِ السيفْ
في وَجهِ الزيفْ
لَكنْ إيَّاكَ وأنْ تَغتَرْ
فلأنَّكَ ضَيفْ
اعلَمْ إنْ طالَتْ أيَّامُكْ
لابُدَّ وأنْ تَرحَلَ يَومًا
كَسَحابَةِ صَيفْ
والقبرُ شَهادةُ مِيلادٍ
لِوُجودٍ آخَرْ
والحيرةُ إنسانٌ حائرْ
دومًا يَتساءَلُ في صَمتٍ
ولِماذا تَأتي للدنيا ..
إنْ كنتَ بِها طَيفًا عابِرْ ؟
3- جواب الفلاسفة :
أما الفلاسفة ومَنْ يتبعهم فإنهم يرفضون فكرة تمنى الموت ويقولون : لا ينبغي للإنسان أن يتمنى الموت لأنه طريق المجهول وهو لا يدخل في نطاق إمكانيّة المعرفة، ولو صح قولهم وهو خاطئ من ناحية العقيدة ، صحيح من باب المحاورة لم يتمن الإنسان الموت ،أما الإسلام فله علاج آخر إذا أحس الإنسان بضر نزل به أو بضياع الأمل أو فقده، فقد جاء له الإسلام بهذا الدواء عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَلْيَقُلِ: اللهُمَّ أَحْينِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي ".
في لحظة اليأس والضر يكل المسلم أمره إلى الله ،هذا علاج الدين ،
أما الفلاسفة فقد رفضوا فكرة الموت وتمنيه، دلهم على ذلك عقولهم وتفكيرهم وبحثهم ،يقول أبيقور: «عندما يحلّ موتي أكون قد أصبحت غير موجود. وطالما أنا موجود يكون موتي لمّا يأتِ بعد.». فأبيقور يرفض فكرة الموت مادام موجودا فإرادة الحياة لا بد أن تكون أقوى من الموت ،وإن كان حقًا وقادمًا لا محالة. ولكنّ القيمة الإنسانيّة تدفع الإنسان لبذل حياته ومواجهة الموت، ليس لرغبة البقاء بلا فائدة ، لأنه لو فعل ذلك لكان ميتا حقيقة أو مجازًا ،ولكن وجود الإنسان في الحياة ليؤدي دوره ،ويشعر بقيمته ،حتى ولو كانت قيمته هي الموت فهو يموت من أجل أن يحيا ،ولهذا نرى الجنود والمجاهدين يبذلون أرواحهم ،ويقدمون أنفسهم قربانًا للموت لا من أجل الفناء ،إنما من أجل البقاء، فهم يتبرعون بحياتهم لغيرهم ليعيشوا في أمان ،فحتى الموت هنا كان من أجل الحياة ،ولذلك جعلهم الإسلام أحياء وشهداء عند ربهم يرزقون {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)} [آل عمران: 169]
ومثلهم مَنْ يدافع عن فكرة أو قضية ،والتي بسببها قد تنتهي حياته ،ومع ذلك يصر عليها وهو يعلم أنها تسوقه إلى يد الجزار ليحز رقبته ،لكنه يطمع في الخلود ،وسقراط فضّل الموت على التّمسك بالحياة دفاعاً عن فكره. وواجه جاليليو الموت وهو يصرخ أنّ الأرض كرويّة، والذين يدخلون المعتقلات والذين يُعلقون على أعواد المشانق لا يحبون الموت إنما يعشقون الخلود والحياة ، حياة الكرامة والحرية والأمل والسعادة حتى ولو كلفتهم أرواحهم ، فهم يدركون في أعماق ذاتهم بأنهم أحياء ولو سجنوا أو شنقوا ،إن الموت والتفكير فيه ليس نهاية الآلام ولا جلب للسعادة، وطالما أنه كذلك فحالنا معه هو حال البشر الطبيعيين وهو الكره له، والعمل الصالح ،والمسلم أمره كلَّه خير كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن.
إن المؤمن يوقن بأن الموت رداء كما قال عبد العزيز :"
المَوتُ رِداءْ
يَتَدَثَّرُ فيهِ الأحياءْ
الموتُ نِداءْ
مِن طينِ الأرضِ تَشَكَّلْنا
وإليهِ نَعودْ
الموتُ دَليلٌ قَهَّارْ
ليُفيدَ بأنَّ هُنالِكَ مَوجودْ
الموتُ دليلٌ جَبَّارْ
أنَّ الجَبَروتَ لَهُ آخِرْ
أنَّ الأيَّامَ وإنْ حَسُنَتْ
طَيفٌ زائرْ
أنَّ التَّابوتَ هو السُّكنَى
لِمَليكِ القصرِ أوِ الخادِمْ
هل تَفهَمُ هذا الإيجازْ ؟
المَوتُ ..
لُغزُ الألغازْ
لحظةُ إعجازْ
يَتَحطَّمُ فيها هَيكلُنا
ويَمُدُّ اللهُ لنا يَدَهُ
كي يَأخُذَ نَفْخَتَهُ الأولَى
فالموت قادم لا شك فيه ، فهو القدر المحتوم والسهم النافذ وقدومه
ك"قطارٌ سوفَ يحملُنا لبلدانٍ
نسميها بلادَ الصمتْ
لدارٍ غيرِ تلكَ الدارِ
وبيتٍ غيرِ هذا البيتْ
عن الموتِ ،
وأولِ ليلةٍ في القبرْ
وحالِ السنينَ هناكْ ،
وكيفَ تمُرّ ؟
ومرَّ العمرْ
وصارَ المرُّ في حلقي
هناكَ أمَرّ
وظلَّ السرُّ مطويًا
وخلفَ السرّ
وأنتظرُ .. يجيءُ الردّ
وأصبحَ بيننا سدٌ
وماذا خلفَ هذا السدّ
بدأْنا العدّ
لا ينفع العبد
سِوى زادٍ من التقوى ،
وإيمانٍ كنبعِ الماءْ"
اللهم زدنا إيمانا ويقينا يا رب العالمين .
ليست هناك تعليقات:
اضافة تعليق