الأربعاء، 20 يونيو 2018

الحكمة من خلق الإنسان (2) بقلم الباحث المصري/ محمد سعيد أبوالنصر


الحكمة من خلق الإنسان (2)
بقلم الباحث محمد سعيد أبوالنصر

مهمة الإنسان في هذا الوجود:
لماذا وجدت؟ وما مهمتي في هذا الوجود؟ وما رسالتي في هذه الحياة ؟ سؤال واجب على الإنسان كل إنسان أن يسأله لنفسه، وأن يفكر ملياً في جوابه فإن كل جهل مهما عظُمت نتائجه قد يُغتفر إلَّا أنْ يجهل الإنسان سر وجوده، وغاية حياته، ورسالته في هذه الأرض! وأكبر العار على هذا الكائن الذي أوتي العقل والإرادة ـ (الإنسان) أن يعيش غافلاً، يأكل ويتمتع كما تأكل الأنعام، لا يفكر في مصيره، ولا يدري شيئاً عن حقيقة نفسه، وطبيعة دوره في هذه الحياة حتى يوافيه الموت بغتة، فيواجه مصيره المجهول، دون استعداد له، ويجني ثمرة الغفلة والجهل والانحراف في عمره الطويل أو القصير، وحينئذ يندم حين لا ينفع الندم وَيَرْجُو الخلاص ولات حين مناص. لهذا كان لزاماً على كل بشر عاقل أن يبادر فيسأل نفسه بجد: لماذا خُلقت؟ وما غاية خلقي؟ ولماذا خُلق الإنسان..؟ والجواب عن هذا السؤال عند المؤمنين حاضر: ذلك أن كل صانع يعرف سر صنعته لماذا صنعها؟ بل ولماذا صنعها على نحو معين دون غيره؟ والله تعالى هو صانع الإنسان وخالقه ومدبر أمره، فلنسأله: يا رب لماذا خلقت هذا الإنسان؟ هل خلقته لمجرد الطعام والشراب؟ هل خلقته للهو واللعب؟ هل خلقته لمجرد أن يمشى على التراب، ويأكل مما خرج من التراب، ثم يعود كما كان إلى التراب، وقد خُتِمت القصة. هل خلقته ليعيش تلك الفترة القصيرة المعذبة ما بين صرخة الوضع وأنَّة النزع ...؟ إذن فما سر هذه القوى والملكات التي أودعتها الإنسان من عقل وإرادة وروح؟ وهذا ما نجيب عنه .
الحكمة من خلق الإنسان :
1-الخلافة في الأرض 
يمكن أن نجمل الحكمة من خلق الإنسان في هذه العبارة" إنَّ مقاصد الله من خلق الإنسان هي : عبادة الله، وخلافته في الأرض، وعمارتها بالحق والعدل، بالإضافة إلى ترابط الأسرة، وتكافل المجتمع، وتماسك الأمة، وعدالة الدولة، وتعارف البشرية" فنحن قد جئنا للدنيا لِنُعمِّرَ هذا الكَون ؟ ولنقف في وَجهِ الزيفْ كَوُقوفِ السيف ،هذا على وجه الإجمال ،وشرح هذا الاجمال أن نقول :إن من حكم خلق الإنسان ما بينه الله لنا في كتابه ،كتاب الخلود أنه خلقه ليكون خليفة في الأرض، وهذا واضح في آدم وما كان من تمنى الملائكة لمنزلته قال تعالى {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30 [ سورة البقرة:، الآية ٣٠ ] "يُخْبِرُ تَعَالَى بِامْتِنَانِهِ عَلَى بَنِي آدَمَ بِتَنْوِيهِهِ بذكرهم في الملأ الأعلى قبل إيجادهم بقوله: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ} أَيْ وَاذْكُرْ يَا محمد إذا قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلآئِكَةِ وَاقْصُصْ عَلَى قَوْمِكَ ذَلِكَ، {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} أَيْ قَوْمًا يَخْلُفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ، وَجِيلًا بعد جيل، كما قال تعالى: {هُوَ الذي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأرض}،وليس المراد ههنا بِالْخَلِيفَةِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَطْ كَمَا يَقُولُهُ طائفة من المفسرين، وأول شيء في هذه الخلافة أن يعرف الإنسان ربه حق معرفته ويعبده حق عبادته، قال تعالى { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12) } [ سورة الطلاق، الآية : ١٢ ] أشار تعالى إِلى آثار قدرته، وعظيم سلطانه وجلاله فقال {الله الذي خَلَقَ سَبْعَ سماوات وَمِنَ الأرض مِثْلَهُنَّ} أي خلق اللهُ بقدرته سبع سمواتٍ طباقاً، ومن الأرض كذلك خلق سبع أرضين بعضها فوق بعض بدون فتوق {يَتَنَزَّلُ الأمر بَيْنَهُنَّ} أي يتنزل وحيُ الله ويجري أمره وقضاؤه بين السموات والأرضين {لتعلموا أَنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أي لتعلموا أن من قدر على خلق ذلك قادر على كل شيءٍ {وَأَنَّ الله قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً} أي ولتعلموا أنه تعالى عالم بكل شيء، لا تخفى عليه خافية. وهذه الآية جُعِلت معرفة الله هي الغاية من خلق السموات والأرض قال تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)} [ سورة الذاريات، الآيات : ٥٦ – ٥٨] إنِّ المتأمل في هذا الكون الذي نعيش فيه يرى كل شيء فيه يحيا ويعمل لغيره، فنحن نرى أن الماء للأرض، والأرض للنبات، والنبات للحيوان، والحيوان للإنسان، والإنسان لمن؟ هذا هو السؤال. والجواب الذي تنادي به الفطرة، وتنطق به مراتب الكائنات في هذا الكون أن الإنسان لله.. لمعرفته، لعبادته.. للقيام بحقه وحده.. ولا يجوز أن يكون الإنسان لشيء آخر في الأرض أو في الأفلاك، لأن كل العوالم العلوية والسفلية مسخرة له، وتعمل في خدمته كما هو شاهد، يكون هو لها أو يعمل في خدمتها؟ ومن هنا كانت عبادة الإنسان لقوى الطبيعة ومظاهرها من فوقه ومن تحته، كالشمس والقمر والنجوم والأنهار والأبقار والأشجار ونحوها، قلباً للوضع الطبيعي، وانتكاساً للفطرة الإنسانية أيما انتكاس!! والإنسان إذن بحكم الفطرة ومنطق الكون، إنما هو لله سبحانه لا لغيره، لعبادته وحده، لا لعبادة بشر ولا حجر، ولا بقر ولا شجر، ولا شمس ولا قمر، وكل عبادة لغير الله إنما هي من تزيين الشيطان عدو الإنسان .والنداء الأول في كل رسالة { اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ (50)} [ سورة هود، الآية : ٨٤] هذه العبادة لله وحده هي العهد القديم الذي أخذه الله على بني الإنسان، وسجله بقلم القدرة في فطرهم البشرية، وغرسه في طبائعهم الأصيلة، منذ وضع في رؤوسهم عقولاً تعي، وفي صدورهم قلوباً تخفق، وفي الكون حولهم آيات تهدي قال تعالى {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61)} [ سورة يس، الآيات: ٦٠ – ٦١] فلا عجب أن يكون المقصود الأعظم من بعثة النبيين، وإرسال المرسلين، وإنزال الكتب المقدسة، هو تذكير الناس بهذا العهد القديم، وإزالة ما تراكم على معدن الفطرة من غبار الغفلة أو الوثنية أو التقليد ولا عجب أن يكون النداء الأول لكل رسول: { يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ (59)} [الأعراف: 59] [ سورة الأعراف: الآية : ٨٥] بهذا دعا نوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب أقوامهم قال تعالى { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)} [ سورة النحل، الآية : ٣٦]وقال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)} [ سورة الأنبياء، الآية: ٢٥ ]

ليست هناك تعليقات:

اضافة تعليق

جميع الحقوق محفوظة © 2013 منارة القلم الفصيح
تصميم : يعقوب رضا