شَاهِد عَيَان
شَاهَدتها بِأُم العين
و أنا في طَريقي أَتَمَشَى
في إحدى القُرى
في موطني شمال لبنان
شاب مَغْرُور بِسِن العشرينات
يصرخ بِرجل كبير السِن
جَالِس على كُرْسيه
أَمَام دُكانِه المُتَواضِعة
يبيع المواد الغذائية
وبعض الفَاكِهة والخُضار
يبدو عليه العَياء الشديد
رَسَمَت إشَارات سني العمر
كُتَلاً مِن التجاعيد
يعلو بعضها البعض طَبَقات
جِسْم مُهَلْهَل يَعْتَريه المَرَض
بصوت بالكاد أَن يُسمع
ينادي وَلده أين كُنت
وفهمت أنه يناديه للمساعدة
والولد يَهُم بالصُعُود إلى البيت
المَدخَل بِجِوار الدُكان
يلتفتُ إلى أبيه
لِيَصرُخ في وجهه
أُسْكتْ لا أُريد العمل
وللأسف يَلْتَفت لِمَن يراه
يميناً و يسار
مُتفاخراً بنفسه
و يعلو بِرأسِه وكَتِفَيْه
و يُلَوِح بِيَدَيْه بِعَصَبية
مُتباهياً تباهي الزُعْرَان
مُتَفَاخِر بِنفسه
رافِعاً أَنْفَه إلى السماء
مثل خِنزير بري
مُفَنْجِر العينين
و القَرَف مرسوم في وجهه
و كأنه يقول أنا سيد نفسي
و غير نفسي لا أرى
مَن أنت لِتَتَكلمَ معي
مَن أنت لتسألني
لا تسألني و كفى
يَسكُت الوالد المسكين
يُغمِض عينيه وفي قلبه حَسْرَة
ورأسه يحنيه نحو الأرض
تَذْرِف الدموع مِن عينيه
على الوَجْنَتَيْن غَصباً
يُقْهِر نفسه على الصمود
و يَهُِم المَغْضوب عليه بالصعود
الى أين الصعود؟!
الى بيت أبيه و مَن أواه
و أَطْعَمَه و سَقَاه
الى مَن فرح به عند مولده
و أَغْنَاه عن السؤال
قبل ان يتعلم الكلام
وكان طفلاً يُستجاب له الطلب
مِن أبوين لخدمته كانا له خَدَم
ياالله... ياالله.. ياالله
ما هذا الذي يجري
ضاعت النخوة حتى
لِمَن تَجِب عليه الطاعات
وقفتُ جامداً للحظات
أتأمل المشهد في مخيلتي
و أستشهد بالله
أشهد ان لا الله الا الله
و أن محمد رسول الله
" كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ
تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ
عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ "
و أصبح المُنكر للتَفاخُر
ألا عَلِموا أن الله غَنِي عَن العِبَاد
" مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ
وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ
وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ "
فاقد الشَّيء لا يعطيه
هذا حَصاد ما زرعناه...
عبد العظيم كحيل
ليست هناك تعليقات:
اضافة تعليق